رقيق القلب والمشاعر
وصفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ووصف قومه بأنهم أهل رقة في القلوبوعذوبة في الصوت حتى إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) كان يتأثربقراءته للقرآن ويقول له "لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" إنهالصحابي الجليل أبو موسى الأشعري .
واسمه عبد الله بن قيس بن سليم أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم معأهل السفينتين ورسول الله بخيبر. وأرسله رسول الله (صلى الله عليه وسلم)مع معاذ بن جبل إلى اليمن ، روي عن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي (صلىالله عليه وسلم) بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال يسرا ولا تعسرا وبشراولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا .
مناقبه وفضائله
قال أبو بردة عن أبي موسى قال النبي (صلى الله عليه وسلم) إني لأعرف أصواترفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهمبالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم إذالقي الخيل أو قال العدو قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم
وقد صح من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله: لو رأيتني وأنا أستمع قراءتكالبارحة لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود، فقلت يا رسول الله، لو علمتأنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرًا.
حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا مالك عن ابن بريدة عن أبيه قال خرج بريدة عشاءفلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجليقرأ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) تراه مرائيا فأسكت بريدة فإذا رجليدعو فقال اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنتالأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال النبي (صلىالله عليه وسلم) والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذاسئل به أعطى وإذا دعي به أجاب قال فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاءفلقيه النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت الرجليقرأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتقول هو مراء؟! فقال بريدة أتقولهمراء يا رسول الله فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لا بل مؤمن منيب لا بلمؤمن منيب. فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد فقال رسول الله (صلىالله عليه وسلم) إن الأشعري أو إن عبد الله بن قيس أعطي مزمارا من مزاميرداود فقلت ألا أخبره يا رسول الله قال بلى فأخبره فأخبرته فقال أنت ليصديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث.
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله في غزاة ونحن ستةنفر على بعير نعتقبه قال: فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي وسقطت أظفاري، فكنانلف على أرجلنا الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا منالخرق. قال أبو بريدة فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك، وقال: ما كنتأصنع بأن أذكره، قال: كأنه كره أن يكون شيئًا من عمله أفشاه.
وعن أبي سلمة قال كان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا تعالى، فيقرأ (أي القرآن).
وعن أبي عثمان النهدي قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج ولا بربط (من آلات العزف) كان أحسن صوتًا منه.
من أقواله رضى الله عنه
* وعن أبي كبشة السدوسيقال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: إن الجليس الصالح خير من الوحدة،والوحدة خير من الجليس السوء، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر إلايحذك يعبق بك من ريحه، ألا وإن مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إلا يحرقثيابك يعبق بك من ريحه، ألا وإنما سمي القلب من تقلبه، وإن مثل القلب كمثلريشة بأرض فضاء تضربها الريح ظهرًا لبطن، ألا وإن من ورائكم فتنًا كقطعالليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، والقاعد فيها خير منالقائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، قالوا: فماتأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس البيوت.
* وعن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري أنه جمع الذين قرأوا القرآن فإذا همقريب من ثلثمائة فعظم القرآن وقال: إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا وكائنعليكم وزرًا فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من اتبع القرآن هبطبه على رياض الجنة، ومن تبعه القرآن زج في قفاه فقذفه في النار.
* وعن أبي مجلز قال: قال أبو موسى: إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي عز وجل.
* وعن قسامة بن زهير قال: خطبنا أبو موسى فقال: أيها الناس، ابكوا فإن لمتبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماءحتى لو أرسلت فيها السفن لجرت.
رواهما الإمام أحمد رحمه الله.
* وعن أبي بردة عن أبي موسى قال: خرجنا غازين في البحر والريح لنا طيبةوالشراع لنا مرفوع، فسمعنا مناديًا ينادي يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتىوالى بين سبعة أصوات، قال أبو موسى: فقمت على صدر السفينة فقلت: من أنتومن أين أنت أو ما ترى أين نحن وهل نستطيع وقوفًا؟ قال فأجابني الصوت: ألاأخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه، قال: قلت بلى أخبرنا، قال: فإن الله قضىعلى نفسه أنه من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقًّا على الله أن يرويه يومالقيامة، قال فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكادينسلخ فيه الإنسان فيصومه.
* وعن أبي إدريس قال: صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال، فقيل له لو أجممتنفسك فقال: هيهات، إنما يسبق من الخيل المضمرة، قال وربما خرج من منزلهفيقول لامرأته: شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر.
* حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليهوسلم) يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبا. قال فقدم الأشعريون فيهم أبوموسى الأشعري فلما دنوا من المدينة كانوا يرتجزون يقولون غدا نلقى الأحبهمحمدا وحزبه .
* حدثنا يحيى بن بشر حدثنا روح حدثنا عوف عن معاوية بن قرة قال حدثني أبوبردة بن أبي موسى الأشعري قال قال لي عبد الله بن عمر هل تدري ما قال أبيلأبيك. قال قلت لا قال فإن أبي قال لأبيك يا أبا موسى هل يسرك إسلامنا معرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معهوأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس فقال أبي لا والله قدجاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيراوأسلم على أيدينا بشر كثير وإنا لنرجو ذلك فقال أبي لكني أنا والذي نفسعمر بيده لوددت أن لو نجونا منه كفافا رأسا برأس فقلت إن أباك والله خيرمن أبي
دعاء النبي( صلى الله عليه وسلم) له
رويعن أبي بردة عن أبيه قال لما فرغ النبي (صلى الله عليه وسلم) من حنين بعثأبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم اللهأصحابه فقال أبو موسى وبعثني مع أبي عامر قال فرمي أبو عامر في ركبته رماهرجل من بني جشم بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماكفأشار أبو عامر إلى أبي موسى فقال إن ذاك قاتلي تراه ذلك الذي رماني قالأبو موسى فقصدت له فاعتمدته فلحقته فلما رآني ولى عني ذاهبا فاتبعته وجعلتأقول له ألا تستحيي ألست عربيا ألا تثبت فكف فالتقيت أنا وهو فاختلفنا أناوهو ضربتين فضربته بالسيف فقتلته ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت إن الله قدقتل صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء فقال يا ابن أخيانطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأقرئه مني السلام وقل له يقوللك أبو عامر استغفر لي قال واستعملني أبو عامر على الناس ومكث يسيرا ثمإنه مات فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه وهو في بيت علىسرير مرمل وعليه فراش وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله (صلى الله عليهوسلم) وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقلت له قال قل له يستغفر ليفدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بماء فتوضأ منه ثم رفع يديه ثم قالاللهم اغفر لعبيد أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه ثم قال اللهم اجعله يومالقيامة فوق كثير من خلقك أو من الناس فقلت ولي يا رسول الله فاستغفر فقالالنبي (صلى الله عليه وسلم) اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يومالقيامة مدخلا كريما قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبيموسى(رواه مسلم)
وفاته
عن الضحاك بن عبد الرحمن قال: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرته الوفاة فقال:اذهبوا فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا، فجاؤوا فقالوا قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنافقال: والله إنها لإحدى المنزلتين إما ليوسعن علي قبري حتى يكون كل زاويةمنه أربعين ذراعًا ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازليوما أعد الله عز وجل لي من الكرامة ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أبعث،ولئن كانت الأخرى ونعوذ بالله منها ليضيقن علي قبري حتى أكون في أضيق منالقناة في الزج ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسليوأغلالي وقرنائي ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث.
قال أصحاب السير: توفي أبو موسى سنة اثنتين وخمسين وقيل اثنتين وأربعينوقيل أربع وأربعين ودفن بمكة وقيل دفن بالثوية على ميلين من الكوفة