مآس المسلمين لا تنتهي من
هؤلاء المطالبين بحقوق المسلمين الشيخ "سليم الله حسين عبد الرحمن" رئيس
منظمة تضامن الروهنجيا، الذي قال : بعد وصول الحكم العسكري عام 1962، ففي
عام 1978م شردت بورما أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلاديش، وفي عام
1982م ألغت جنسية المسلمين بدعوى أنهم متوطنون في بورما بعد عام 1824م وهو
عام دخول الاستعمار البريطاني إلى بورما، رغم أن الواقع والتاريخ يكذّبان
ذلك، وفي عام 1992م شردت بورما حوالي ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنجلاديش مرة
أخرى، ومن تبقّى من المسلمين يتم إتباع سياسة الاستئصال معهم عن طريق برامج
إبادة الجنس وتحديد النسل بين المسلمين، فالمسلمة ممنوع أن تتزوج قبل سن
الـ 25 عاما أما الرجل فلا يسمح له بالزواج قبل سن الـ 30 من عمره. ويضيف
الشيخ سليم الله قائلا :"إذ حملت الزوجة لابد من ذهابها طبقاً لقرار
السلطات الحاكمة إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية "ناساكا" لأخذ صورتها
الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها، وفي كلّ مرّة لا
بدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكّد ـ كما تدعي السلطة ـ من سلامة
الجنين، ولتسهيل إحصاء المولود بعد الولادة. ولكنّ لسان الواقع يُلوِّح
بأنّ الهدف من إصدار هذا القرار المرير هو الاستهتار بمشاعر المسلمين،
وتأكيدهم على أنّه ليس لهم أيّ حقّ للعيش في "أراكان" بأمن وسلام!!، مضيفا
أن هناك عمليات اغتصاب وهتك للعرض في صفوف المسلمات اللواتي يموت بعضهن
بسببه، والجنود الذين يقومون بكل تلك الأعمال والقمع والإذلال ضد المسلمين
تدربوا على يد يهود حاقدين. لاحق للمسلمين بورما في الحياة وآخر
ما أسفرت عنه أفكار الحكومة الفاشية منع الزواج!، فقد أصدرت الحكومة
البوذية قراراً بمنع زواج المسلمين لمدة 3 سنوات؛ حتى يقلَّ نسل المسلمين
وتتفشى الفواحش بينهم، وكانت الحكومة قد فرضت شروطاً قاسيةً على زواج
المسلمين منذ عشر سنوات؛ مما اضطرهم لدفع رشاوى كبيرة للسماح لهم بالزواج
تضاف إلى التعسف الذي يعانيه المسلمون تمهيدا لاستئصالهم بعد تقليص عددهم،
وتهجيرهم عن قراهم التي بها مقومات قيام النشاط الزراعي وإفقارهم ونشر
الأميّة بينهم. وقد صل عدد اللاجئين من جراء التعسف إلى حوالي
"مليوني مسلم" معظمهم في بنجلاديش والمملكة العربية السعودية من مجموع
المسلمين في بورما، ويعيش اللاجئون في بنجلاديش في حالة مزرية في منطقة
"تكيناف" في المخيمات المبنية من العشب والأوراق في بيئة ملوثة والمستنقعات
التي تحمل الكثير الأمراض مثل : الملاريا والكوليرا والإسهال، وهي أماكن
خصصتها لهم الحكومة في بنجلاديش في المهجر، حيث تنتشر مخيماتهم التي تفتقر
إلى مقومات الحياة في بلد يعاني أيضا من الفقر " بنجلاديش " ويطمحون للعمل
الإعلامي لنشر معاناتهم بمختلف لغات العالم. إذن هناك مخطط بوذي
بورمي لإخلاء إقليم أراكان من المسلمين بطردهم منه أو إفقارهم وإبقائهم
ضعفاء لا حيلة لهم ولا قوة، ولاستخدامهم كعبيد وخدم لهم، حيث إنهم لم
يُدْعَوْا حتى لحضور المؤتمر العام، ويحاول الكثيرون من أولي الرأي
التعريف بالقضية وخاصة أمام المنظمات الإسلامية العالمية على غرار منظمة
المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي. اضطهاد المسلميـن في "برمانيا" ولكن
نجد صوتا يرى بعمق مدى ما يعانيه المسلمون في بورما بل في العالم تحت
ذريعة الإرهاب الإسلامي أو ما يطلق عليه اسلاموفوبيا Islamophobiaضمن ما
يعلق به على القضايا في العالم الإسلامي التي راح ضحية البطش في العالم
المسلمون وحدهم، إنه "ميشيل جلكوين" ـ من صحيفة لوجورنال الذي يقول :
"بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، جدّت
عدة أنظمة في محاربة " الإرهاب " ذريعة للقضاء على معارضيها، خصوصا إذا
كان هؤلاء يمثلون أقليات عرقية أو دينية يشكل الإسلام بالنسبة إليها القاسم
المشترك . وهكذا تم إلصاق صفة " الإرهاب " الشائنة بالمقاومة
الشيشانية من قبل بوتين وفريقه، ولم يتردد نائب الرئيس الصربي "نيبوجا
كوفيتش" في الإعلان عن وجود " بعض أنصار أسامة بن لادن الصغار في كوسوفا ".
نفس الأمر بالنسبة لشارون الذي استثمر بلا حشمة الصدمة النفسية للولايات
المتحدة الأمريكية، وردد نفس اللازمة التي ترددها الأنظمة الاستعمارية التي
تزدري أي رفض للخضوع لنيرها ، ليرفض أي مقاومة للصهيونية. وهناك أقليات
إسلامية تتعرض لتجاهل نسبي عبر العالم، وجدت نفسها تدفع ثمن الهذيان
المعادي للإسلام، والذي انتشر فجأة بلا تحفظ. وفي دولتين معروفتين بخرقهما
لحقوق الإنسان، هما الصين و"برمانيا"، هناك أقليات إسلامية، على رأسها
الإيغور والروهينغا، تعاني من شدة الاضطهاد الجماعي، فمن هي هذه الأقليات؟
ما هي أصولها ؟ ما هي ثقافتها؟ كيف تحاول الحفاظ على هويتها؟. فسيفساء من الأقليات ""برمانيا""
فسيفساء من الأقليات وخليط من الديانات ، فإلى جانب البوذيين الذين يشكلون
أغلبية السكان، نجد المسيحيين والمسلمين, يشكل الإسلام في "برمانيا" دين
أغلبية واسعة تعود بجذورها إلى إقليم "أراكان"، على الحدود مع بنجلاديش،
وهي أيضا مرجعية بالنسبة لمجموعات الصغرى المنبثقة من أقليات مختلفة،
استقرت هناك في العهد الاستعماري، أو تم تشتيتها في أرجاء البلاد. ويقودنا
الإطلاع على شروط العيش المفروضة على المسلمين إلى ملاحظة مزدوجة : فمن جهة
يتعلق الأمر بفرض الوصاية على شعب يقيم قرب الحدود نظرا للقرابة التاريخية
مع البنغال المسلمين، ويندرج هذا الشكل من الاضطهاد والتحكم في سياق عام
يتميز بالهيمنة على الأقليات الدينية في المناطق الحدودية، ومن جهة ثانية
فالأمر يتعلق أيضا بالرغبة في محو خصوصيات الأقليات، التي تبدي نوعا من
الجموح إزاء أوامر السلطة المركزية والهيمنة التي تريد الحفاظ على انسجام "
القومية البرمانية " ( ثلثا سكان البلاد هم من البرمانيين). وإلى الاضطهاد
الذي يقع ضحيته مجموع مكونات المجتمع البرماني، يضاف إلى ذلك الإبادة غير
المباشرة، وعديدة هي الأمثلة التي تثبت أن السلطات تحاول تأجيج، بل إثارة
المواجهات بين الطوائف وأتباع الديانات المختلفة، وإخفاء مثيري تلك الفتن
في أزياء رهبان بوذيين، رغم إعلانها الرسمي المتكرر بعدم مسؤوليتها عن مثل
تلك الأحداث. ومن الملاحظ أنه في كل عملية لإعادة توطين اللاجئن، عقب
الاتفاقيات الجانبية بين داكا وبانكوك، يتم استثناء العديد من المسلمين من
الحق في العودة بدعوى أن هوياتهم أي : مواطنتهم مشبه فيها. الروهينغا مسلمو أراكان تقع
منطقة "أراكان" إلى الغرب من "برمانيا" ، وقد كانت بين 1430و1783 مملكة
مستقلة تحت حكم السلاطين المسلمين، قبل أن تحتلها الإمبراطورية البرمانية
في عملية غزو واسعة. ومنذ 1825 خضعت للسيطرة البريطانية التي انتهت ببسط
هيمنتها على كامل "برمانيا" الحالية. وبدافع سياسة فرق تسد، عمل الاستعمار
البريطاني على ربط جميع المناطق المحتلة حديثا بالإمبراطورية الهندية (
وبقي ذلك الوضع إلى عام 1937)، وخلق تناقضات بين الأقليات وأتباع الديانات
المختلفة. وخلال هذه الفترة استقر بعض البرمانيين والمسلمين في مختلف
المناطق الخاضعة للسيطرة البريطانية، إما للعمل في التجارة، أو في وظائف
تابعة للحكم البريطاني، وقد ساعدت هذه الهجرات القوميين البرمان للإدعاء
بأن أولئك المسلمين في غالبيتهم هم من أتباع الاستعمار البريطاني، من هنا
جاء اعتبارهم " غرباء " متهمين بخيانة القومية البرمانية، وهكذا لم تبق
هناك سوى خطوة واحدة، لم يتردد البرمانيون بمن فيهم المعروفون
بالديمقراطيين، من اجتيازها. إن إقليم أراكان الحالي لكونه يضم جزء من
البوذيين الذين تطلق عليهم تسمية " الراخين "، فإن محاولة الطعن في شرعية
وأصالة المواطنين المسلمين ما لبثت أن لاحت بصورة واضحة، بالرغم من أن
المسلمين لم يكفوا حتى العام 2000م من المطالبة ـ ليس بالانفصال ـ ولكن
باستقلال ذاتي في ظل فيدرالية برمانية تحترم خصوصياتهم الدينية والثقافية
بشكل ديمقراطي. هذه التركة الثقيلة من الصراعات التاريخية هي التي تفسر
اليوم شعور الارتياب الذي يشكل مسلمو أراكان ضحيته. وفي اللغة السائرة،
ينعت المسلمون بكلمة " كالا "، التي تعني في اللغة المحلية الغريب جغرافيا،
وهكذا يظهر لنا أن النخبة الحاكمة في رانغون لم تكرس للممارسات المعادية
للمسلمين والمليئة بالترسبات والخلفيات من لا شيء. ومع ذلك فبعد أن أقصتها
صناديق الاقتراع في سنة 1990وتشبتت بالسلطة بالقوة لمواصلة النهب، جعلت
النخبة المتسلطة من الأقلية المسلمة في البلاد كبش الفداء المناسب لتوجيه
الشعور بالقهر والغضب لدى شعب غارق في البؤس إليها . اضطهاد وتهجير للمسلمين من
هنا انطلقت منذ بداية عقد التسعينيات بعد إلغاء نتائج الانتخابات موجة من
الاضطهاد أخذت شكلا كسياسة التطهير العرقي إزاء مسلمي أراكان المتمركزين
خاصة في القسم الشمالي من البلاد، ونتج عن ذلك تهجير ما بين 250 إلى 280
ألفا منهم نحو بنجلاديش، التي رفضت استقبالهم إلا بعد عدة جهود ليعيشوا في
شروط قاسية داخل مخيمات تفتقد أدنى مقومات الحياة . مضيفا : لقد
تمكنت المنظمة الدولية للاجئين من إعادة توطين 90 في المائة منهم، بعد أن
توصلت إلى اتفاقيات متنازع حولها، لكن بقي حوالي 21 ألفا في معسكرين قريبا
من جنوب باكستان الشرقية سابقا، هذا دون الحديث حسب مصادر مختلفة عن مئات
الآلاف من المهاجرين السريين الذين اخترقوا الحدود من جديد. لكن الذين فرضت
عليهم العودة وظلوا بدون أدنى الحقوق خضعوا للأعمال الشاقة والاضطهاد على
يد " الراخين " أي البوذيين، ولم ينالوا صفة المواطنة بسبب مرسوم 16 أكتوبر
1982. فضلا عن ذلك، شكل النظام الحاكم ميليشيا مسلحة هي " الناساكا"،
مهمتها نشر الرعب ومصادرة الأراضي والقيام بالأعمال الوحشية : الاغتيالات،
الاغتصاب، التعذيب، وقد أصبحت هذه الممارسات عملة رائجة. وتعرضت عدة قرى
لغارات مدمرة لأنها وضعت موضع شبهة، كما حدث في منطقة "سيتيو" يوم 4 فبراير
2001. ورغم القيود المفروضة على حرية التجول، استطاع المسلمون في عدة
حالات الهرب إلى الخارج، لكن بشكل فردي، والتوجّه إلى ماليزيا التي أصبحت
منذ أزمة 1997ترفض استقبال المهاجرين، ومع ذلك فقد وصل بعض طالبي اللجوء
إليها ليتم جمعهم في بناية تابعة للأمم المتحدة في كوالا لامبور. ويؤكد لى
أن اشتداد النقمة ضد هذه الوضعية التي تنكر على المسلمين حتى الارتباط
بهويتهم ، سوف يقود إلى خلق نوع من الهوية المتطرفة. إن السلطات البرمانية
لم تكف أبدا عن هدم مساجد المسلمين، وتعويض المدرسين المسلمين بمدرسين
بوذيين . لقد انتشرت شائعات بعد 11سبتمبر 2001 تقول إن شبكة تنظيم القاعدة
لأسامة بن لادن زرعت أتباعا لها وسط عناصر المقاومة الإسلامية، وكان من نشر
هذه الشائعات هم أفراد مليشيا " الناساكا "، مما أدى إلى إغلاق الحدود
لمدة ثلاثة أيام من 13 إلى 16 أكتوبر 2001، وانطلاق موجة من الاضطهاد
الأعمى. غير أن هذه الشائعات تتغذى من السياسة الداخلية التي تحاول شيطنة
حركة المقاومة التي يقودها المسلمون "الروهينغا"، والتي تظل مقاومتها
محدودة جدا. وحسب الناطق الرسمي باسم لجنة أخبار مسلمي بورما، فإن الزعم
بأن أعضاء المقاومة يتدربون على يد عناصر تنظيم القاعدة وتقديم هذا الأخير
دعمه لها، يعني أن المناطق الحدودية كان يمكن أن تشهد حركة قتالية واسعة،
الأمر الذي لم يحدث . مذابح باسم "الإسلاموفوبيا" !! تعاني
الأقليات المسلمة في مختلف مناطق "برمانيا" من كونها أهدافا مثالية لتوجيه
التوترات الداخلية إليها، ورغم أن وضعية هذه الأقليات أقل مأساوية من
وضعية مسلمي الروهينغا، إلا أن أوضاعهم تدهورت يشكل كبير في الأعوام
الأخيرة، إذ تعرضوا لمذابح وتصفيات بشكل مكثف ومتسارع، فيما يتم تصوير هذه
المذابح كنتيجة لمواجهات طائفية عفوية، بالرغم من أن منفذيها يكونون
معروفين، ومن كون رجال الأمن أو الجيش يستنكفون عن التدخل. وتعقب هذه
الحملات عمليات هدم المساجد، ومحاولات لرد المسلمين عن دينهم بالإكراه،
وحرق للمساكن والمتاجر، الأمر الذي يخلف بطبيعة الحال قتلى وجرحى. وتحدث
مثل هذه الممارسات على الأخص في المدن، بمبررات واهية، ففي مارس 1997 كانت
مدن رانغون وبيغو وموندالاي ومونلاين مسرحا لأحداث دموية. مؤكدا على أنه في
مايو ويونيو 2001 عرفت بعض المدن الكبرى موجة جديدة من العنف الذي يعكس
الكراهية للمسلمين (الإسلاموفوبيا) خلّفت مئات القتلى، ففي اليوم التالي
لتفجيرات 11 سبتمبر 2001، عرفت منطقة (بروم) غرب مدينة بيغو حوادث دموية،
فرض منع التجول بعدها في 10 أكتوبر. أما في البوادي والقرى، فإن الجيش
يتدخل علنا ضد المسلمين ويستولي على حاجياتهم البائسة ويكرههم على التحول
إلى البوذية، الدين الرسمي للدولة. إن هذه الوضعية القاتمة لمسلمي
"برمانيا" ، تؤكد إلى أيّ مدى يريد أن يصل الحكم الشمولي في محو أقلية
مسلمة، في ظل صمت وسائل الإعلام الدولية والمنظمات العالمية. ويختم
"ميشيل جلكوين" متسائلا :" هل يستطيع مسلمو "الروهينغا" ومسلمو "ميانمار"،
رغم الصعوبات التحالف مع الديمقراطيين والأقليات الأخرى المضطهدة في
البلاد، من أجل بناء ""برمانيا"" ديمقراطية ؟ ويجيب قائلا : " لا
شيء مؤكد للأسف، فالظرفية العالمية الحالية، والشكوك التي توجّه إلى
المسلمين كيفما كانت جنسياتهم، تجعل مثل هذه المهمة غير سهلة .